Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

إنّ ضعف التمثيل الرسمي الفلسطيني وبطء مبادرته السياسية وتَذَرّي وضع تياراته الفكرية والنضالية وغياب القواسم المشتركة في ساحته، إضافة إلى الصراعات والانقسامات حول المصالح السياسية الضيّقة في ظل غياب تام للمشروع الوطني الفلسطيني قد أدت بمجموعها إلى تدهور الواقع الفلسطيني المُعاش

مراد عياش

الفلسطيني  والحوار المستعصي مع كل شيء

"

قبل الخوض في أيّ نقاش من المهم الإقرار بأنّ محاولات الفلسطينيين للدّفاع عن حقوقهم باتت معرّضة دائمًا لحملات مضادة ترهيبية ومرعبة. إنّ التعاطي مع هذا التوصيف بشكل جدّي يمهّد لفهم حقيقة وعمق نضال وصراع الشعب الفلسطيني مع الظلم أينما تواجد.

ضجّت مواقع التواصل قبل أيام بموضوع اللاجئ الفلسطيني في لبنان "طارق أبو طه"، الذي أراد العودة إلى لبنان من دبي بعد إعلان الحكومة اللبنانية خطة لإجلاء المغتربين اللبنانيين في دولة الإمارات. طارق الذي قدم طلب عودة الى لبنان وحصل على التذكرة والموافقة مسبقًا، فوجئ بعبارة "قف جانبًا"  من قبل عنصر من جهاز الأمن العام اللبناني بعد رؤية وثيقة السفر الخاصة باللاجئين الفلسطينيين الصادرة عن الحكومة اللبنانية. وبعدها ساعة من الوقت وأثناء محاولة أحد موظفي شركة الطيران الإستفسار والتوضيح أنّ الوثيقة هي وثيقة رسمية لبنانية، عاد العنصر ليصف حَمَلة هذه الوثيقة "بالزعران". وصف طارق بتغريدة مفصّلة كيف تمّ التّعاطي معه بالتفصيل وشارك الناس مشاعره. تفاصيل تعبّر عن سطوة عنصر/موظف، أراد استخدام سلطته بغير وجه حق. 

يرى طارق في لبنان "بلده". كما وصفه في تغريدته حيث استعمل كلمة بلدي. ويتحدث عن مشاعر الاهانة التي شعر بها. لكن من هنا يحق لنا سؤال البديهيات ما الذي يمنعُ أن يتمّ شرحُ قرار أو تعميم حكوميّ لشخص، وتبليغه إياه دون التعاطي بطرق غير أخلاقية؟

في الواقع ان لكل فلسطيني وفلسطينية سَمِعَ/ت و قرأ/ت قصّة طارق قصصًا موازيةً عن معاناته/ها في لبنان. في المطار، في مديرية شؤون اللاجئين، في أيّ مكان عام او خاص… فنحن محكومون أحيانًا لمزاجيّات وأخلاقيات بعض الأشخاص، والسبب: لا بنية حقيقية لدولة في لبنان. فعلى مدى عقود تتعاطى الدولة اللبنانية مع موضوع اللاجئين بأسلوب واحد وهو التنصّل والتنكّر للمسؤوليّات على كافّة الصّعد عمومًا.
برمجة "فصل الخطاب" المستعصي في لبنان:
بالعودة إلى السؤال أعلاه ما الذي يمنع؟ ماهي المشكلة؟ المشكلة فعليًا هي تجريد الفلسطيني من حقوقه الأساسية الذي يُفَعِّلُهُ ويعيد دوره كفلسطيني رائد إنسانيًا وفكريًا، ومواطنيةً حتّى. الجوابُ واحدٌ: الحقوق المدنية والسياسية. فالموضوع هنا وجودي فكري فلسفي، ليس بتعديد الحقوق من النصوص الموجودة في الاتفاقيات، بل بفحوى وعُمُق وجوديّة هذه الحقوق.

لاحقًا وبعد انتشار التغريدة، أعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبناني ببيان أنّها باشرت التحقيق مع الضّابط حول ما ورد من معلومات عن طريقة تعاطيه بشكل غير لائق مع طارق، ووعدت باتخاذ الإجراءات اللازمة. 

الحادثة قد تبدو بسيطة بالنسبة لنا، تبرّرها الكثير من الشبهات الامنية والسياسية المستمرّة التي تُوظّفُ في خانة مجابهة عمق وجدان ونضال الشعب الفلسطيني.
بعد أيام سمعنا بقصة أخرى لسيدة فلسطينية حامل في شهرها التاسع مقيمة في ليبيريا أرادت العودة الى لبنان بعد حصولها على موافقة من السفارة اللبنانية هناك. لكن عنصر الأمن العام رفض إدخالها الى الطائرة رغم محاولات السفير اللبناني أيضًا المساعدة. ومن المتوقع أن نسمع الكثير من القصص.
عقدة التبرير المستعصية:
في لبنان تسهل إدانة الفلسطيني، لأسباب عدة أبرزها المرتبط بالصراع والتموضع السياسي. فالجميع مع فلسطين، لكنهم لا يشعرون بالضرورة أنهم ملزمون بالتضامن والوقوف مع الشعب الفلسطيني فعليًا. هنا من السّهل جدًا الفصل بين فلسطين وشعبها. قد يعترض البعض على هذه الجملة وقد يعتبرها البعض سلبية غير مبررة. لكنها حتمًا الجملة الأحق إذا أردنا توصيف شعور أي فلسطيني لاجئ في لبنان وحول العالم, مهما بلغ حجم الانخراط حياتيًا واجتماعيًا... فأساس هذه الجملة هو الشعور الفلسطيني العام بعدم جدوى الثقة بالتركيبة اللبنانية. وأكبر المؤشرات هو قلقنا الدائم في كل الحالات الطبيعية قبل الطارئة والصعبة التي مر فيها هذا البلد. و محاولات التبرير غير المبررة التي تأخذ الطابع المستمر, بأننا ومحيطنا غير متصالحين تمامًا, واننا قد بذلنا جهدًا أكبر مما بذله محيطنا بعد كل تجربة الحرمان المستمرة التي نعيشها, لكننا كفلسطينيين لم يعد بإمكاننا تقديم أكثر مما قدمناه, فقد قبلنا بكل الاسقاطات التي اسقطت علينا عن دراية و عن غير دراية أيضًا. غير آبهين إلا لمعركة التبرير بأننا كفلسطينيين "مش هيك". نعم علينا الإقرار بأن الصورة النمطية استعصت علينا, وامتلكتنا في حفلة التبرير المستمرة.

الحوار الجدي مع الممثلية الرسمية الفلسطينية غير متاح:

إنّ ضعف التمثيل الرسمي الفلسطيني وبطء مبادرته السياسية وتَذَرّي وضع تياراته الفكرية والنضالية وغياب القواسم المشتركة في ساحته، إضافة إلى الصراعات والانقسامات حول المصالح السياسية الضيّقة في ظل غياب تام للمشروع الوطني الفلسطيني قد أدت بمجموعها إلى تدهور الواقع الفلسطيني المُعاش. انعكس ذلك استفرادًا أكبرَ بالشعب الفلسطيني في أماكن لجوءه لا سيما لبنان - المثال الحيّ المستمر-. فلا قيادة حاسمة واضحة تمثّل الشعب الفلسطيني لتحاور وتطالب بموقف حقيقي ينصف اللّاجئين. في الواقع، إنْ أردنا تلخيص أداء ما يسمى "القيادة الفلسطينية" فهي بمعظمها تحوّلت إلى نهج يستغلّ التشريف غير آبه بالتكليف الموكل إليه. لكن هذا نتيجة طبيعيّة فـ"الثلم الأعوج من الثور الكبير". لم تقدم القيادة الفلسطينية نموذجًا يحتذى به يسمح لنا بالإلتفاف حولها بثقة وإيمان بدورها. المضحك المبكي أنّنا نقلق في كل مرة يزور فيها ممثل السلطة الفلسطينية لبنان أن ثمّة مصيبة ستحلّ بنا. فزيارة عزام الأحمد موفدًا من "محمود عباس" في تموز/يوليو 2019، وضجة التصريح بأن رئيس حزب القوّات اللبنانية "سمير جعجع" - أكثر الاحزاب عداوةً للفلسطينيين تاريخيًا - على أنّه "صديق للشعب الفلسطيني"، أُلحِقَت قرارًا بعد أيّامٍ قليلة من وزير العمل اللبناني السابق التابع للقوّات بعدم السّماح لنا نحن اللاجئين بالعمل حتى في المهن المسموح لنا مزاولتها دون إجازة عمل! يا لمهزلة السّلطة الفلسطينية!

في الواقع لا أستغرب إنْ لم يصدُر أيّ بيانٍ أو تصريحٍ حولَ ما جرى مع طارق من قبل السلطة. ولو كان صَدَر، كنت سأعتبره مسبقًا أنه بيان/تصريح خالٍ من أي مضمون سياسي جدّي يعيد إعتبار الحق الفلسطيني في هذا البلد، كونه سيحتوي حتمًا على قاموس المفردات الكليشيه عن "العلاقات الاخوية والتاريخية بين الشعبين" و"معاناة الشعبين المشتركة" وكل كلام بيانات التمثيل الرسمي الفلسطيني التي حفظناها..

ليس من السّهل على القيادة اليوم إرسال مبعوث رئاسي يطالب بتحصيل حقوق الفلسطينيين، فمنذ زمنٍ طويل لم يقم أي تنظيم/مجموعة فلسطينية بخطوة جدية في هذا الإطار (خارج المحاولات الدائمة لتحصيل المكاسب وإقامة الصفقات الشخصية الرخيصة).

ختامًا الجميع يدرك بأن مصالح شعبنا الفلسطيني عمومًا واضحة غير معقدة. حيث أنّ إمكانية انجازها واضحة المسارات في حال الالتزام بها. لكن السؤال يكمن في مصداقية الحلول السياسية المطروحة بأن تكون منصفة وعادلة لنا كفلسطينيين في أماكن وجودنا. فعدالة هذه الحلول مرتبطة بحقنا في العيش بكرامة إلى حين عودتنا إلى أرضنا، لا بصفقات-فقاعات ما يسمّى بالحقوق الوهمية التي تُسقط علينا بالجملة كلامًا، ثمّ لا نجد لها على الأرض أثرًا.

"

ناشط سياسي